أسمعني و سوف أنسى .. أرني و قد أتذكر .. أشركني و سوف أفهم !
عبارة منسوبة لكونفوشيوس تلخص مبدأ نجاح العملية التعليمية في أي مجال ابتداء من المدراس إلى الجامعات انتهاء بالتدريب العملي و المهني الذي تقدمه بعض الشركات لموظفيها أو ينتسب لها الأشخاص بأنفسهم رغبة منهم بتطوير مهاراتهم الحياتية و العملية التي لا تقدمها لهم الدراسة ..
هذه العبارة تنسف عملية التعليم التقليدي الذي يعتمد على التلقين و الذي تقع فيه مهمة التعليم و إيصال المعلومة على المعلم فقط و هذا يعطي المعلم عبئاً كبيراً إضافياً و يحمله كامل المسؤولية لنجاح العملية أو فشلها و هذا كلام غير منطقي و ظالم للمعلم ، لذلك يقول الجزء الأخير من العبارة ( أشركني و سوف أفهم ) ، و هذه الشراكة هي في مصلحة الطالب و الاستاذ معاً فهي ترفع عن الأستاذ بعضاً من المسؤولية و التعب الذي يلقاه أثناء إعطائه للحصة الدرسية ..
وهذا ما يدعونه بالتعلم الناشط ( active learning) و الذي ينقل المعلم من دور ملقن المعلومة إلى ميسر لها و مساعداً للطلاب للحصول على هذه المعلومة و إيصالها لهم ..
هناك الكثير من الطرق التي يمكن للمعلم استخدامها في الحصة الدرسية لتطبيق هذا الأسلوب ولكن غالباً يعتقد المعلمون أن التعلم الناشط معناه فصل ( صف ) بعدد قليل مثالي من الطلاب و إمكانيات مادية عالية و الكثير من الأدوات والوسائل الحديثة التي لا يمكن تطبيقه بدونها ، و الحقيقة أن هناك الكثير من الأدوات و الوسائل البسيطة التي يستطيع المعلم استخدامها دون الحاجة إلى أي أدوات إضافية أو تكنولوجيا حديثة غير متوافرة غالباً في مدراسنا و يضطر المعلم أحياناً لتحمل تكلفتها بنفسه و لكنه ليس بحاجة إلى هذا فهناك من الأساليب ما تغني الحصة و تجعلها أجمل و أكثر نشاطاً و حيوية و تشرك الطلاب في عملية التعليم.
سأستعرض هنا بعضاً من هذه الأساليب التي جربتها شخصياً خلال فترة عملي في التعليم و وجدت فيها فائدة كبيرة و فرقاً واضحاً في النتائج التي يحصل عليها الطلاب :
1 – العصف الذهني
يعتمد هذا الأسلوب على استدعاء أكبر قدر ممكن من المعلومات عن موضوع أو فكرة معينة و قد أوجده أليكس أوزبورن عام 1939 كأسلوب لحل المشكلات و اتخاذ القرار و نشر كتابه عنه عام 1953و وضع له القواعد و أسس إدارة جلسات العصف الذهني و منها ( التركيز على الكم – عدم النقد و استبعاد أي فكرة – الترحيب بالأفكار غير الاعتيادية )..
و يمكنك استعمال هذا الأسلوب لمعرفة ما يعرفه الطلاب عن أي معلومة كمقدمة للدرس أو أسلوب لجمع المعلومات منهم فتقوم بالاستماع لكل الأفكار و الآراء التي يملكونها عن الموضوع ثم في النهاية تقوّم ما يراه خاطئاً و تستبعد ماليس له علاقة بالدرس، و تؤكد على المعلومات الصحيحة ، و سوف تدهشك كمية المعلومات التي يملكونها و الأفكار التي يمكن أن يطرحها الطلاب حول أي موضوع سواء كان في الرياضيات و الفيزياء أو المواد الاجتماعية كالفلسفة و التاريخ ..
يساعد هذا الأسلوب المعلم على معرفة طلابه بشكل جيد و يمنحهم الفرصة للمشاركة و التحدث بما لديهم و أسلوب عدم النقد يعزز ثقة الطلاب بأنفسهم ، و أنه يمكنهم الإجابة بما لديهم حتى لو كانت خاطئة دون أن يسخر منهم أحد و بدلاً من قضاء الوقت في التحدث بينهم و التشويش على رفقائهم.
2 –القصص
من منا لا يحب سماع القصص أو قراءتها ، حتى من لا يحب قراءة الروايات ، و يمكن أن تلاحظ أن أكثر المنشورات شعبية و انتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي هي عبارة عن قصص قصيرة جداً فيها عبرة لطيفة في النهاية .. يمكنك استخدام القصص القصيرة كمقدمة للدرس و مدخل جذاب له بدلاً من البداية المعتادة : اليوم سيكون درسنا عن …….. و تبدأ بسرد ما لديك..
لا تكتب عنوان الدرس على السبورة بل احكِ قصة قصيرة بأسلوب جذاب و مشوق و صاحبها بتعبيرات وجه معبرة و نبرات صوت متغيرة و مناسبة لشخصيات القصة ثم اسألهم عنها و عن ما حدث فيها و اربطها بالموضوع الذي ستقدمه ..ميزة القصص أنها لا تأخذ من وقت الحصة سوى وقت قصير جداً لا يتجاوز خمس دقائق لكنها ترسخ في ذهن الطلاب إلى الأبد سواء كانوا في الابتدائية أم الثانوية فالقصة هي عامل جذب لكل الأعمار..
3 – الألعاب الجماعية الحركية
الجلوس في قاعة الصف في مقعد لخمس أو ست ساعات متتالية أمر ممل جداً و متعب للطلاب و يجعلهم يكرهون المدرسة و الدراسة كلها ، و هذا قد يسبب لهم خمولاً و ضعف القدرة على الاستيعاب و لأن حصة الرياضة غالباً لا يتم استغلالها بشكل مناسب يمكن أن تجعل من أي مادة حصة للنشاط و الحركة بشكل يخدم الدرس و الموضوع الذي ستقدمه ..
ماذا لو جعلتهم يقومون بعمل سباقات جري ليتعلموا درس السرعة و كيفية حسابها فيزيائياً ؟..هذا لا يحتاج سوى لمكان واسع و مقياس للأطوال و ميقات للزمن..هل هذا كثير؟
4- الدراما و التمثيل
صارت المسلسلات و التمثيل جزءاً لا يستهان به من حياة الطلاب و قدوتهم صارت عبارة عن ممثلين و ممثلات أو مطربين و مطربات و التمثيل و الاشتراك ببرامج الغناء و الفنون صار حلماً من أحلامهم ، ماذا لو قمت بتفريغ هذه الرغبات و الطموح في الحصة الدرسية و جعلتهم يقومون بأداء الدرس على شكل مسرحية بالاتفاق المسبق معهم بعد إعطاء الدرس أو قبله ، قصة من كتاب اللغة العربية أو درس التاريخ أو رحلة جغرافية لدول العالم للتعرف على تضاريسها و بيئتها و طريقة حياة سكانها..
ثق تماماً أن المشاركين لن ينسوا ما قاموا به من أدوار و المشاهدين لن ينسوا زملائهم و هم يمثلون بطريقة مضحكة غالباً و ستكون تلك المشاهد حاضرة أمامهم أثناء دراستهم و كتابة المعلومات على ورقة الامتحان ، و ستكون عزيزي المعلم مخرجاً هاماً لمسرحية و مشاهداً ناقداً بدلاً من دورك في إلقاء كل تلك المعلومات و حشو رؤوس الطلاب بها رغماً عنهم .
5 – البطاقات الملونة
هذه وسيلة تحتاج أن يقوم المدرس بعملها لمرة واحدة فقط ثم يحتفظ بها لسنوات عديدة ، أساسها بعض الأوراق الملونة المقطعة و استعمل خيالك في خيارات استخدامها الواسعة..
يمكن أن تكتب عليها كلمات اللغة الانكليزية الجديدة التي على الطلاب تعلمها و عمل مسابقة منها لمعرفة الكلمة و معناها و مطابقتهما أو تشكيل جملة صحيحة باللغة العربية أو ترتيب تواريخ معارك في فترة تاريخية معينة ، ربما ترتيبها على شكل قوانين الفيزياء و ربطها برموزها و واحداتها و جعل كل قانون بلون معين كي يسهل حفظه و تمييزه بين الطلاب ، أو معادلات الكيمياء قبل إعطائها كما فعلت مرة ، و يمكن أيضاً توزيع البطاقات على الطلاب بعد تقسيمهم لمجموعات وتطلب منهم ترتيبها كما يرونها من وجهة نظرهم أو عمل ذلك على السبورة أمام الطلاب جميعاً ..
و البطاقات نفسها يمكن أن تستخدمها بأساليب متعددة و طرق مختلفة و اترك لإبداعك العنان للابتكار.
6 – اربط بين المادة التي تُدَرّسها و الحياة العملية
ماذا سأستفيد مما أدرس؟..غالباً هذا هو السؤال الذي يوجهه الطلاب و يطرحه على الأساتذة و الأهل طوال الوقت .. حاول ألا تفوّت فرصة يمكن فيها ربط ما تعطيه بحياة الطلاب إلا و تقدم لهم فكرة أو ومضة بسيطة من خلال جملة أو مثل أو فكرة تلقيها لهم سريعاً هذا سيساعد في فهم الدرس و ربطه بهم و سهولة تذكره و ايضاً ستكون إجابة ضمنية على سؤالهم الأبدي ..ماذا سأستفيد من هذا عندما أكبر..
مثال ذكرتُه مرة لطلاب المرحلة الإعدادية :
( قانون نيوتن الأول في الفيزياء يقول و الذي نعرفه جميعاً : ( كل فعل له رد فعل ……… ) من قدم لك هدية ستبادله مثلها و من أذاك ستؤذيه بنفس الطريقة ..هذا في الفيزياء أما في حياتنا يمكنك أن تتحكم برد فعلك الشخصي تجاه أي حدث كان )
هذه ست طرق بسيطة من تجربتي الشخصية و هناك غيرها الكثير الذي يمكن لك استخدامه حسب الإمكانيات المتاحة لديك و الصلاحيات التي تملكها ..مثل عمل المجموعات و استخدام العروض البصرية من فيديوهات و عروض باور بوينت و صور و غيرها ..
لا أحد يمكن أن يكون أكثر تأثيراً على الأشخاص من معلميهم إما بشكل سلبي أو إيجابي و اعتماد أسلوب التلقين و عدم مراعاة الفروق بين الطلاب لن يجعل المعلم يترك لديهم بصمة إيجابية ..
الارتقاء بالعملية التعليمية أمر لم يعد يخفى على أحد مدى أهميته في النهوض بالمجتمعات العربية في ظل الركود الذي نشهده في كل نواحي الحياة العلمية و التقنية و المستقبل بأيدينا نحن المعلمين و نحن دون مبالغة نملك المفاتيح الأساسية للنهوض بمجتمعاتنا من خلال النهوض بعقول الطلاب و تفتيحها على المستقبل بطريقة تجعلهم يكونون أداة التطور و النهضة التي نحلم بها .
نقلا عن أراجيك
# مقال بواسطة / لينـا العطّـار ، سـوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق