تلك الأسرة
التي قررت أن تسلك الطريق الصحيح مهما يعقب هذا القرار من نتائج، تواجه تحديات؛
لأن الثبات على هذا الطريق لابد له من نتائج أو عواقب، ذلك لأن هذا الطريق ليس
مفروشًا بالورد، إنما هو طريق صعب، ولكن نهايته السعادة الخالدة التي لا تفنى
أبدًا، كما في قول رسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:'... أَلَا إِنَّ
سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ' رواه
الترمذي. ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:'حُفَّتْ
الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ' رواه
مسلم والترمذي والدارمي وأحمد .
عرش إبليس :
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إِنَّ إِبْلِيسَ
يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ
مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا
وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ
مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ
مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ] رواه مسلم وأحمد . هذا الحديث يدل على أن من أهم أهداف الشيطان هو تفريق
الأسرة بشكل عام، والأسرة المسلمة بشكل خاص .
يوسف عليه
السلام يدرك هـدف إبليس: لقد أدرك يوسف عليه السلام هدف الشيطان في
تحطيم الأسرة المسلمة في نهاية المطاف، فقال لأبيه بعد أن رفع أبويه على العرش:} هَذَا
تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ
بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ
أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا
يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[100] {'سورة يوسف'.
فيوسف عليه
السلام هنا يدرك أن الشيطان هو الذي كان سببًا في النزاع الذي حدث بينه وبين
إخوته من إلقائه في الجب، ومن تسبب في غربته في بلد بعيد عن بلده، يباع فيه
بيع العبيد، ويتهم فيه بتهمة هو برئ منها ويسجن على أثرها ظلمًا .. فيوسف في نهاية
المطاف يدرك كيف نزغ الشيطان وفرق بينهم، ويحمد ربه على جمع الأسرة مرة ثانية،
أبويه مع إخوته وقد غفر لهم .
تعريفات لابد منها:
أولاً : معنى التحدي: هو الشعور
بالإمكانات البشرية، أو المادية، أو الفكرية، والتي تدفع
صاحبها لمنازلة خصمه إما بطريقة مباشرة، أو غير
مباشرة؛ لإثبات قوته على خصمه.
ثانيًا:
الأسرة: الأسرة هي التي تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة هي: الأب والأم
والأبناء .
ثالثًا:
الأسرة المسلمة: فهناك فرق بين الأسرة المسلمة وغيرها، فالأسرة المسلمة
تحاول بكل ما تستطيع أن تصبغ حياتها بالصبغة الإسلامية، وأن تعيش حياة إسلامية
كاملة، خالية من تأثيرات الجاهلية الداخلية والخارجية.
نتائج التحدي
السلبية : أي النتائج لما تعانيه الأسرة المسلمة من تحديات الباطل لها،
وهي خمسة نتائج رئيسة :
1 ـ
تهتك الصلة بين الأب والأبناء.
2 ـ تهتك الصلة بين الأم والأبناء.
3 ـ
تهتك الصلة بين الأب والأم.
4 ـ
تهتك الصلة بين الأبناء أنفسهم .
5 ـ
تهتك الصلة بين الأبناء والأبوين معًا .
فمن طلب
الجنة فلابد له من التعب في أثناء الطريق إليها، والصبر والثبات لكي يستحق نيل هذه
السلعة الغالية، أما أولئك الذين لا يملكون الاستعداد لهذا التعب ولا الصبر
والثبات عليه، فهؤلاء بعيدون كل البعد عن الجنة إلا أن يشاء الله . وإن أهم
هذه التحديات التي تواجهها الأسرة المسلمة:
التحدي
الأول:الخلافات الزوجية: منشؤها عدة أمور منها:
1 ـ عدم إعطاء أي من الاثنين حقوق الآخر: مثال ذلك: عدم
طاعة المرأة لزوجها، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:' لَوْ كُنْتُ
آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ
لِزَوْجِهَا' رواه
الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد .
2 ـ الإكثار من المطالبة بالنفقة بأكثر من حقها: فترهق بذلك
الزوج، لأنها تريد أن تكون مثل الأخريات، حيث المال والذهب والملابس الكثيرة
والتنزه المستمر وغيرها من الأمور، وهذا يشكل إرهاقًا للزوج يجعله ربما يبلغ به
الغضب فيقول الكلمة المكروهة، والتي تكرهها كل زوجة تريد أن تستر على نفسها، وتعيش حياة
فاضلة.
3 ـ عدم حُسن العشرة : فكثير من
الأزواج لا يحسنون العشرة مع زوجاتهم، يتصرف أحدهم بها كيف يشاء، وهذا مفهوم مغلوط
يخالف ما قاله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ' خَيْرُكُمْ
خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي' رواه الترمذي وابن ماجه.
فبين في هذا
الحديث أن أفضل الرجال هم أفضلهم لنسائهم، ولكن عندما تطلب المرأة من
الرجل قضاء الحاجات والتنزه وغيره على حساب طاعة الله، والدعوة لدينه،
فتكون امرأة يصفها الله بأنها عدوة بقوله تعالى:} إِنَّ مِنْ
أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [14] { 'سورة
التغابن' .
فعندما
تحاول المرأة ثني زوجها عن عظائم الأمور التي ترضي الله فإنها تكون بذلك في صف
الأعداء الذين يطلب الحذر منهم؛ لأنها تصده عن الوصول إلى الجنة، وتوقف الأجر
والرضى من الله أن يتنزل على بيتها.
4 ـ عدم إدراك كل منهما
لدوره: فالمرأة ملكة في بيتها، والرجل ملك في بيته،
وإنما أعطيت الإمارة للرجل لكي يتم النظام والاستقرار، ويخلو الجو من الفوضى،
والإسلام أعطى للرجل هذه الإمارة ليس تفضيلاً له على المرأة، إنما لكي تسير
الأمور، لما يملك الرجل من صفات تؤهله لهذه القيادة، فالرجل هو الأمير وواجب
الزوجة الطاعة له، وهناك أحاديث كثيرة تدل على أن المرأة إذا أطاعت زوجها وصلت
فرضها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت، وأحاديث تدل على أن المرأة إذا مات زوجها وهو
راضٍ عنها دخلت الجنة.وكذلك الرجل عندما لا يدرك دور المرأة، يسبب ذلك نشوء
الخلافات.
5 ـ تدخل الأطراف الأخرى : سواء
الوالدان من ناحية الزوج أو الزوجة، أو تدخل الأصدقاء أو الصديقات، لذلك كان من
أكبر المعاصي عند الله أن تذكر المرأة أو الرجل ما يحدث بينهما على الفراش.
6 ـ عدم وجود منهجية في تربية الأبناء : ونعني
بالمنهجية: وضع منهج محدد واضح لكل من الزوج والزوجة،يسيران بموجبه في تربية
أبنائهما، فيجب أن يتم الاتفاق بين الزوجين قبل أن يأتي الأطفال على هذه المنهجية،
ومثال على ذلك: إذا قامت الأم بضرب الولد وهرب لأبيه ليحتمي به، فيجب في هذه
الحالة أن يكون واضحًا لدى كل من الطرفين ألا يعنف ويخطئ ويلوم الأب الأم أمام
الولد بسبب ضربها له، حتى ولو ضربته بغير حق؛ لأن هذا
يحدث في نفسه انقلابًا للصورة، فيحسب أن أمه على خطأ فما يقوم باحترامها بعد ذلك،
أو الخوف منها، بل يجب على الأب في هذه الحالة أن يقول له بأن أمك ما ضربتك إلا
بسبب الخطأ الفلاني؛ وذلك حتى يشعر الابن أنه ما ضرب ظلمًا، بل بسبب
خطأ اقترفه، وكذلك العكس إذا ضرب الوالد الابن .
ومن المنهجية: أن لا يُرى الطرفان أبناءهما أي
خلاف بينهما، بل دائمًا يريانهم الاتفاق والسعادة التراضي، حتى ينشأ الأبناء نشأة
طبيعية خالية من ردود الفعل النفسية، والتي تؤثر على نشأة الطفل وربما تتسبب في
انحرافه.
ومن
المنهجية: ألا يكون التهديد كلامًا فقط، بل يجب أن يعقبه أحيانًا تنفيذ
لهذا التهديد، حتى يأخذ الأبناء تلك التهديدات بجدية، ويمتثلون للعملية التربوية
المبتغاة إذا ما انحرفوا أو أخطأوا.
ومن
المنهجية: أن لا يكون الضرب هو العلاج دائمًا، ولا يكون التعنيف هو
العلاج دائمًا، ولا يكون الترغيب هو العلاج دائمًا، إنما يكون ذلك بحسب الموقف.
ومن
المنهجية: وضع الحوافز لزيادة عملية التشجيع، صحيح أننا يجب علينا
كمسلمين أن نعلقهم بالآخرة، ولكن يجب علينا أيضًا بسبب طفولة عقول الأبناء، أن نضع
بعض الحوافز مثل الهدايا، أو المال، أو الحلويات إذا قاموا مثلاً بحفظ
كذا من القرآن، أوالحديث، أو الأدعية حتى إذا ما ميزوا وبلغوا، أصلنا
فيهم قضية الأجر الأخروي وعملية الإخلاص.
ومن
المنهجية: أن يكون الوالدان قدوة أمام أبنائهما، فعندما يأمر الأب ولده
بالصلاة في المسجد يجب أن يرى ذلك الولد أن أباه يسبق إلى المسجد دائمًا، وعندما
يمنعه من الكذب،على ذلك الأب أن يلتزم بالصدق دائمًا، وهكذا في باقي الأوامر يجب
أن يكون الوالدان قدوة في كل أمر ونهي.
ومن
المنهجية: أن نعطيهم الحب، فالحب قضية مهمة يجب أن يشعر الأبناء بحب
والديهم لهم، فإذا ما فقدوا ذلك الحب؛ فإنهم سيطلبونه في مكان آخر، وقد يكون
هذا المكان الآخر شابًا منحرفًا، أو شلة منحرفة.
ومن أهم
الوسائل التي تغرس المحبة في الأبناء:
1 ـ الإصغاء إلى شكواهم، حتى، وإظهار
الاهتمام بمشاكلهم .
2 ـ اللعب معهم ومداعبتهم ومشاركتهم في ألعابهم .
3 ـ
التحدث معهم بأسلوب الكبار حتى يتغرس فيهم النبوغ المبكر، والقدوة المبكرة لمعرفة
الكثير من الأمور.
4 ـ
الإجابة على جميع أسئلتهم، وعدم التهرب من أي منها وذلك بما يناسب أعمارهم.
5 ـ عدم
كبت طاقة اللعب فيهم، وإلا فإن ذلك سيكون له ردة فعل في ضرب بعضهم البعض، أو تكسير
أي شيء في البيت .
6 ـ
التقبيل والضم والحمل: كل ذلك يغرس المحبة فيهم .
7 ـ
إخبارهم بمشاعر الحب نحوهم .
ومن المنهجية التربوية: تهيئة الجو العلمي، وتحبيب القراءة
لهم، وذلك بالتالي:
أ ـ إدخالهم المكتبة المنزلية إن وجدت، أو
زيارة المكتبات الإسلامية .
ب ـ إعطاء الحرية لهم ليفتحوا من الكتب ما
يريدون، وذلك لكسر حاجز الرهبة من المجلدات، وباقي الكتب .
جـ ـ شراء مكتبة صغيرة لهم، ووضعها في
غرفتهم، وترك حرية تصفيف وتصنيف الكتب لهم.
د ـ التكليف ببعض القراءات، وإجراء مسابقة
في بعض ما يقرءون.
ومن المنهجية: تعويده على
فعل الخيرات، كأن تشرح له ما يحدث للمسلمين من ظلم، وتشريد، وقتل في
أنحاء الأرض، وأن تحبب إليه دفع التبرعات لهم في الصناديق الموجودة في المساجد،
والمراكز التجارية وغيرها، أو تجعله يقود أحد المصابين بالعمى ليدخله إلى المسجد
مثلاً .
7 ـ الغيرة الزائدة : فللغيرة حد
معين، فإذا ما زاد عن الحد المعقول؛ فإنه يسبب ارتباكًا في العلاقة الزوجية قد تؤدي
إلى الطلاق، أو غيره من النتائج السلبية، والأصل أن تثق
الزوجة الصالحة في زوجها الصالح، وكذلك العكس، إلا أن يرى أحد الطرفين بعينه ما لا
يحتمل التأويل، فهذا أمر لا يجوز .
8 ـ الغضب : وهو سمة
العصر الحديث، بسبب المادية التي غرقنا بها، وقد يصل الغضب ببعض الأزواج لتصرف
معين من زوجته، إلى ضربها، وهذا أمر لا يجوز، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:' خَيْرُكُمْ
خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي' رواه الترمذي وابن ماجه. وليس من
الرجولة ضرب النساء، فهذا له أسبابه وشروطه وظروفه، والحياة الزوجية عندما يتخللها
الضرب، فإنه من الصعب أن تكون حياة ناجحة. إن هذا التهور من كلا الطرفين يجب أن
تحكمه قواعد وضّحها الإسلام، والتي من أبرزها: عدم الغضب لغير الله، أما للدنيا
فهي أحقر من أن نغضب من أجلها، ونخرب هذه العلاقة الزوجية لنتيح للشيطان فرصة
الفرح لهدم هذه الرابطة .
9 ـ
عدم إدراك طبيعة المرأة: معظم الرجال لا يعرف طبيعة المرأة، مما يسبب بعض
الإشكال الذي قد يزيد في بعض الأحيان ليشكل عقدة غامضة وراء الطلاق . ومن بين هذه
الأمور التي لا يعرفها كثير من الرجال:'حالة التوحم'وهي حالة نفسية تمر بها الحامل
في الشهور الأولى من الحمل، إذ قد تؤدي بها إلى تصرفات يستغربها الزوج الجديد أشد
الاستغراب، والتي منها على سبيل المثال :
كراهية
بعض الروائح، وربما رائحة الزوج نفسه، فتصبح لا تطيق الجلوس بقربه.
كراهية بعض أنواع الطعام .
اشتهاء بعض أنواع الطعام التي قد تكن غير متوفرة
آنذاك .
ومن بين هذه
الأمور التي تصيب المرأة: التوتر العصبي، وآلام الظهر والصداع أثناء الدورة
الشهرية لبعض النساء . ومن بين هذه الأمور حب المرأة للزينة، وترتيب المنزل، هذه
بعض طبائع المرأة والتي قد يستغربها البعض إلى درجة اتهام زوجاتهم بالدلع، أو
الكذب، مما يؤدي إلى توتر العلاقة .
10 ـ إرهاق
كل طرف للآخر بأكثر مما يستطيع : ما أجمل ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم
به النساء عندما أطلق عليهن صفة القوارير فقال موصيًا بهن:'ارْفُقْ
بِالْقَوَارِيرِ'رواه البخاري ومسلم وأحمد . وكما أن للقوارير صفة الضعف
وسرعة الانكسار إذا وقعت، كذلك يريد النبي صلى الله عليه وسلم المبالغة بمراعاة
ضعفهن، خوفًا عليهن من الكسر، ومع ضعف القوارير فإن لها صفة ثانية وهي النعومة
والشفافية وكذلك هن النساء. إدراك هذه الصفات للمرأة ضروري للزوج حتى لا يكلفها
بأكثر مما تطيق، فيقع في الظلم المنهي عنه.
11 ـ عدم
التثبت بعد سماع الأخبار : أخبار كثيرة يسمعها الزوج أو الزوجة تتعلق
بأحدهما، فيقوم أحد الطرفين باتخاذ موقف ضد الآخر دونما تثبت، وتتغير طبيعته أو
طبيعتها معه دون أن يقوم أحد الطرفين بمصارحة الآخر، مما يسبب التفكك الذي لا يحمد
عقباه.
التحدي الثاني:
التحدي الإعلامي :
من المؤكد
أن من أكبر الفتن التي غزت كل بيت هي الموجة الإعلامية، من
تليفزيون، وصحيفة وشريط فيديو، وشريط سماع، وما يتصل بها، وكل
هذه الوسائل الإعلامية ليست حرامًا بذاتها، فهي أجهزة صالحة للاستخدام في الخير أو
الشر، وبسبب أن معظم من يتحكم بهذه الأجهزة هم من أصحاب الأهواء، والأغراض الخبيثة
في تدمير أخلاق وقيم المجتمع الإسلامي، وبخاصة الأسرة المسلمة فإن معظم ما يعرض في
هذه الوسائل سموم يراد منها تحطيم القيم التي جاء بها الإسلام، ونشر قيم جاهلية لا
تتصل بواقع الأمة الإسلامية، بل هي الغثاء الذي يعيش فيه المجتمع الغربي، ولا شك
أن التحدي الإعلامي والذي يسيطر على الكثير من أجهزته أعداء الله في كل مكان، هو
من أكبر التحديات إذا لم يكن هو الأكبر للأسرة المسلمة، فالأب أو الأم كلما أعطيا
قيمة من القيم، أو خلق من الأخلاق إلا وحطمه ألف معول إعلامي يراه ويحتك به
ويسمعه الطفل كل يوم من خلال التلفزيون والمذياع والصحف، حتى في البرامج التي تخص
الأطفال فإنها لا تخلو من تحطيم تلك القيم الإسلامية.
فلابد
للآباء والأمهات أن ينتبهوا لهذه التحدي العظيم، ويحاولوا مجابهة هذا التحدي
بتحد آخر على شكل برامج ترفيهية وثقافية ورياضية، تعوض تلك البرامج الهابطة التي
يعرضها الإعلام الجاهلي، وهي مسئولية الحركة الإسلامية بشكل خاص. ومسئولية كل أب
وأم في الأسرة الإسلامية بشكل عام، والأفضل هو المحاولة الجادة لعزل الأطفال عن
هذه الأجهزة بالحكمة، حتى يكون غياب تلك الأجهزة واقعًا يتعود عليه الأطفال دون إحداث
ردة فعل .
التحدي الثالث:
الواقع المعيشي:
عندما تسير
الأسرة المسلمة بهذه الخطوات الثابتة نحو طريق الحق، فإنها تفتن بفتن كثيرة، ومن
هذه الفتن:قلة الرزق، أو هو الفقر الذي كان يقول عنه عمر رضي الله عنه:'لو كان
الفقر رجلاً لقتلته' . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه، ويقرنه
بالكفر فيقول:'اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ'رواه
أبوداود والنسائي وأحمد . ومع أن الرزق من أول ما يكتب على الإنسان إلا أن
أكثر ما يجزع عليه الإنسان هو الفقر ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه يقول النبي
صلى الله عليه وسلم: 'إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ
يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ
فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ
وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ...' رواه البخاري
ومسلم وأبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد . يجب أن ندرك بأن الرزق مكتوب، فلا
يقلق أحد من نقص الرزق وقلة المعيشة، بل يجب عليه حمد الله، وعدم الشكوى
لأحد،كما يقول الإمام ابن القيم:'الذي يشكو للآخرين فكأنما يشكو الله للمخلوق'.
وهذا هو تقدير الله سبحانه ليرى مدى صبر المسلم على البلاء، فإن نجح في
الاختبار؛ وسع عليه الرزق، ورفعه درجات عالية، قال تعالى:} الم[1]أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا
يُفْتَنُونَ[2]وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ
اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[3]{'سورة
العنكبوت' ومن إفرازات هذا التحدي المعيشي اضطرار المرأة للعمل خارج المنزل،
مما يسبب انعكاسات سلبية كبيرة، منها: عدم رعاية الأطفال رعاية كاملة، مما يؤدي
إلى نقص عنصر المحبة الذي يحتاجه الأطفال من الأم والأب، وهذا قد يؤدي إلى انحراف
الأبناء، وربما أدى العمل في الخارج إلى اختلاف الزوجة مع زوجها لعدم استطاعها
تلبية جميع ما يريده منها لانشغالها، وربما يؤدي ذلك إلى انحراف المرأة لاحتكاكها
بالرجال، وسقوط الكلفة بينها وبينهم بسبب سقوط الحياء.
التحدي الرابع
: عادات المجتمع وأعرافه الجاهلية :
كغلاء
المهور، ومن هذه العادات الجاهلية إصرار الوالد في بعض البلاد العربية على
معرفة تفاصيل ما حدث في ليلة الدخلة من ابنه، ومنها دخول الأم غرفة الزوجية لرؤية
الدم، وغيرها من هذه العادات الجاهلية، والتي بمجموعها تسبب تحديًا للأسرة المسلمة.
كيف نقف أمام هذا التحدي ؟
ـ إدراك هدف الشيطان .
ـ معرفة حقوق الزوج.
ـ عدم السماح بتدخل طرف ثالث، إلا إذا كان
للإصلاح والخير، وزيادة الرابطة الأسرية.
ـ التثبت عند سماع الغير .
ـ وجود منهجية في التربية .
ـ الغضب لله وليس للدنيا، وللنفس، وللعشيرة، أو
غيرها من الأمور.
ـ السيطرة على التليفزيون وباقي الوسائل
الإعلامية.
ـ الوقوف بحزم أمام عادات المجتمع الجاهلية، وإدخال
الفهم الإعلامي المعاكس لهذه العادات.
ـ إعطاء القيم للأطفال.
ـ إعطاء الحب والانتباه لهم.
ـ تحقير الفاسقين والفاسقات في نظر أبنائنا.
ـ الإكثار من إعطاء صور من قدواتنا في الماضي
والحاضر .
ـ غرس الحياء بين الأبناء.
ـ منع الصحافة الفاسدة من دخول البيت .
ـ إشغال الأبناء بحب القراءة، والبحوث، وأدعية
اليوم والليلة.
ـ الصبر على البلاء وهو ما أمرنا به في الأول
والآخر، قال تعالى :} وَالْعَصْرِ[1]إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[2]إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[3]{ 'سورة العصر'.
الخـاتمـة:
هذه بعض التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة، وهي بذلك أمام
أمرين، إما الخوف والاستسلام لهذه التحديات، ثم الرضوخ لما تفرضه هذه التحديات من
قيم جديدة على الأمة، وإما الانتفاضة أمام هذه التحديات، ورفض الاستسلام لها، والعمل على
صدها بكل ما أوتيت من طاقة عاملة؛ بنشر النور ودحر الظلال، والله غالب على أمره:} إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ[7]{ 'سورة محمد'.
لفضيلة الشيخ عبد الحميد البلالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق